أثر الاستقرار الإداري على كفاءة أداء

 السياسات الاقتصادية فى ليبيا**

 

د. محمد زاهى المغيربى*

مقدمة :

        يعتبر التضخم انعكاسا ونتيجة للسياسات الاقتصادية المتبعة . وفى واقع الأمر ، فان وجود التضخم فى الاقتصاد الوطني يعنى فشل السياسات الاقتصادية فى تحقيق أحد أهم أهدافها ألا وهو هدف الحفاظ على الاستقرار العام للأسعار . من ناحية أخرى ، فان هناك ارتباطا قويا ومباشراً بين السياسات الاقتصادية وأهدافها وكفاءة وفعالية أدائها وبين الجوانب البنيوية والهيكلية للنظام السياسي .

 

        وبدون الدخول فى مناقشة مطولة للتعريفات المختلفة للسياسة الاقتصادية ، فإن يمكن القول بان السياسة الاقتصادية تتجسد بصفة عامة فى " مجموعة من الإجراءات - النوعية والكمية - التى تستهدف تحقيق جملة من الأهداف التى يضعها النظام السياسي" (1) .

        وتبين معظم الكتابات أن تحقيق الرفاهية ( Welfare ) يعتبر أحد أهم أهداف السياسة الاقتصادية . إلا أن مفهوم الرفاهية يختلف من دولة لأخرى وذلك لاختلاف الدول فيما بينها واختلاف طبيعة النظم الاقتصادية بها ، فهناك دول متقدمة وأخرى متخلفة ، ودول غنية وأخري فقيرة .. وهكذا . ومن هنا فإن مضمون السياسات الاقتصادية يختلف من دولة لأخرى، إلا أن هذا الاختلاف لا يمنع من وجود أهداف مشتركة بين أغلب هذه السياسات بالرغم من اختلاف مضمونها بين الدول ، فمعظم الكتابات تكاد تتفق على مجموعة من الأهداف التى تسعى السياسات الاقتصادية لمعظم الدول إلي تحقيقها وهى(2) :-

1 )     تحقيق التوظف الكامل .

2 )     توازن ميزان المدفوعات .

3 )     استقرار الأسعار .

4 )     تحقيق العدالة .

5 )     تحقيق الكفاءة بشقيها الاقتصادي والفنى .

        ولتحقيق أهداف السياسة الاقتصادية تستخدم الدول أدوات وإجراءات مالية ونقدية وتجارية ، إلا أن كيفية وكفاءة وفعالية استخدام هذه الأدوات يعتمد على عوامل كثيرة من أهمها(3) :-

1 )     المبادئ التنظيمية القائمة .

2 )     الأهداف الاقتصادية المزمع تحقيقها .

3 )     مدى اختلاف الوضع الفعلي عن الوضع المستهدف .

4 )     التصرفات المتوقعة من جانب الأطراف الاقتصادية كرد فعل على إجراءات السياسات   الاقتصادية .

 

        ويتضح من ذلك أن المبادئ التنظيمية القائمة تمثل أحد العوامل المؤثرة فى كفاءة وفاعلية السياسات والأدوات الاقتصادية . وتشمل المبادئ التنظيمية القائمة - فيما تشمل - تحديد بنى وهياكل صنع وتنفيذ السياسات الاقتصادية ، والعلاقة القائمة بينها وبين البني والهياكل السياسية والإدارية الأخرى ، ومدى ثبات واستقرار هذه البني والهياكل . وفى واقع الأمر ، فإن ثبات واستقرار البني والهياكل القائمة بصنع وتنفيذ السياسة العامة بصفة عامة ، والسياسة الاقتصادية بصفة خاصة ، يؤثر تأثيرا مباشرا وأساسيا على كفاءة وفاعلية السياسات الاقتصادية ومدى تحقيقها للأهداف المرجوة منها .

        وتمثل هذه الدراسة محاولة أولية لتحديد بعض المؤشرات المبدئية والانطباعات العامة حول تأثير التغيرات الهيكلية المختلفة فى ليبيا على صنع وتنفيذ وكفاءة السياسات العامة فى القطاع الاقتصادي .

 

أثر التغيرات الهيكلية على السياسة الاقتصادية فى ليبيا

        تقوم المؤتمرات الشعبية فى ليبيا بعملية تحديد الأهداف والغايات المرجو تحقيقها من خلال التشريعات التى تقرها حول مختلف السياسات العامة والتى تأتى فى شكل قوانين ، غير ان هذه التشريعات عادة ما تأتى فى شكل مبادئ عامة وخطوط عريضة ، الأمر الذى يمنح المؤسسات الإدارية قدرا كبيرا من المرونة وحرية الحركة فى إتخاذ بعض الإجراءات اللازمة للتنفيذ ، والتى عادة ما تأتى فى شكل قرارات إدارية . وبالتالى يصبح ثبات واستقرار هذه المؤسسات والبنى عاملاً حاسماً ورئيسياً فى التأثير على كفاءة وفاعلية السياسات الاقتصادية ومدى تحقيقها لأهدافها .

        وعند مناقشة عملية صنع وتنفيذ السياسة الاقتصادية فى ليبيا ، يبرز بوضوح كيف أن التغيرات الهيكلية المستمرة منذ أواخر السبعينيات  أثرت - ولا تزال تؤثر - على كفاءة وفعالية السياسات العامة فى مختلف المجالات عموما ، وعلى السياسات الاقتصادية خصوصا، وذلك نظرا لان هذه التغيرات لمست مختلف المستويات الإدارية والتنفيذية ، ويتضح ذلك من خلال استعراض التغيرات المختلفة فى هيكلية البلديات واللجنة الشعبية العامة واللجان الشعبية النوعية فى القطاع الاقتصادي .

 

أ ) البلديات والفروع البلدية

        فى عام 1977 ، وبعد إعلان سلطة الشعب ، كانت ليبيا مقسمة إلي عشر محافظات تتكون من مجموعة من البلديات يبلغ عددها 46 بلدية . وفى عام 1979 تم إلغاء المحافظات وتم تقسيم ليبيا إلي 46 بلدية ، وتم تقسيم كل بلدية إلي مجموعة من الفروع البلدية التى بلغ مجموعها 174 فرعا بلديا . وفى عام 1980 أعيد تنظيم البلديات إلي 25 بلدية و 173 فرعا بلديا . وفى عام 1986 تم تخفيض البلديات إلي 13 بلدية وعدد الفروع البلدية إلي 53 فرعا بلديا ، وذلك بناءً على قرار اللجنة الشعبية العامة رقم 0459) لسنة 1986 بشأن إعادة تقسيم الجماهيرية إلى بلديات ، وعلى قرار اللجنة الشعبية العامة رقم (609) لسنة 1986 بشأن تقسيم بلديات الجماهيرية إلى فروع بلدية(4) .

 

        ولقد أستمر هذا التقسيم حتى عام 1990 حيث تم تخفيض عدد البلديات من 13 بلدية إلي 7 بلديات ، وعدد الفروع البلدية إلي 40 فرعا بلديا ، وذلك بناء على قرار اللجنة الشعبية العامة رقم (1038) لسنة 1990 بشأن إعادة تقسيم الجماهيرية إلي بلديات(5).

 

        وبقى هذا التنظيم إلي عام 1992 ، إلا أنه فى نهاية 1992 تم إلغاء نظام البلديات والفروع نهائيا ، وأصبحت البنية السياسية فى ليبيا ممثلة فى المؤتمرات الشعبية الأساسية والتى وصل عددها إلي 1500 مؤتمراً شعبياً أساسياً تقريبا ، وذلك بناء على قرار أمانة مؤتمر الشعب العام رقم (75) لسنة 1992 بشأن إعادة تقسيم الجماهيرية إلي مؤتمرات شعبية أساسية(6) .

 

        غير أن هذا التقسيم لم يستمر طويلا حيث تم تقليص عدد المؤتمرات الشعبية الأساسية فى السنة اللاحقة (1993) ليصبح عددها 370 مؤتمراً شعبيا أساسياً تقريبا ، ثم قلصت مرة أخرى لتصبح 336 مؤتمراً شعبيا أساسيا ، كما تم تقسيم الجماهيرية إلي 13 منطقة ، وذلك بناء على قرار اللجنة الشعبية العامة رقم (184) لسنة 1995 (7) . واخيرا ، عرض على المؤتمرات الشعبية الأساسية فى دور انعقادها العادي الأول للعام 1998 مشروع قانون بتقسيم الجماهيرية إلي 27 " شعبية " حسب التسمية الجديدة للمناطق أو البلديات من ناحية أخرى ، أصبح عدد المؤتمرات الشعبية 351 مؤتمراً شعبياً أساسياً عام 1998 .

 

        هذه التغيرات فى الهيكل التنظيمي للبلديات والفروع البلدية والمؤتمرات الشعبية الأساسية كان لها الأثر الواضح على هيكلية وأداء الجهاز الإداري التنفيذي المتمثل فى اللجان الشعبية النوعية ، وذلك لان عدد أعضاء اللجان الشعبية النوعية كان مرتبطا بعدد البلديات ، وبعد إلغاء البلديات أرتبط عدد أعضاء اللجان الشعبية النوعية بعدد المؤتمرات الشعبية الأساسية ، فكل مؤتمر شعبي أساسي لديه عضو فى اللجان الشعبية النوعية لمختلف القطاعات، ومن مجموع هؤلاء الأعضاء تتكون اللجان الشعبية النوعية . فعلى سبيل المثال فان أعضاء المؤتمرات الشعبية الأساسية المصعدين عن التخطيط هم الذين يكونون اللجنة الشعبية العامة للتخطيط ... وهكذا . وبالنظر إلي الأمانات ذات الصلة المباشرة بالقطاع الاقتصادي ، فان الجدول رقم (1) يبين مدى تأثر حجم اللجان الشعبية للأمانات المتصلة اتصالا مباشرا بالقطاع الاقتصادي بهذه التغيرات ، وما يصاحب ذلك من تغيرات إدارية وإعادة توزيع للحدود . والاختصاصات الإدارية والتنفيذية .

 


جدول رقم (1)

التغيرات الهيكلية للبلديات واللجان الشعبية النوعية للقطاع الاقتصادي

1979 - 1998

                  السنة

التغيرات

1979

1980

1986

1990

1992

1993

1994

1995

1998

عدد البلديات

46

25

13

7

-

-

-

13 منطقة

27 شعبية

عدد الفروع البلدية

174

173

53

40

-

-

-

-

-

عدد أعضاء اللجان الشعبية النوعية للقطاع الاقتصادي

46 الاقتصاد

25 الاقتصاد

13 الاقتصاد

7 تخطيط الاقتصاد

1500 التخطيط

والتجارة والمالية

370 التخطيط

والتجارة والمالية

370 الاقتصاد والتجارة

336 التخطيط والاقتصاد والتجارة

351 التخطيط

46 الخزانة

25 الخزانة

13 الخزانة

7 الخزانة

 

 

370 التخطيط والمالية

336 المالية

351 الاقتصاد والتجارة

46 التخطيط

25 التخطيط

13 التخطيط

 

 

 

 

 

351 المالية

 

ب)  اللجنة الشعبية العامة

        شهدت اللجنة الشعبية العامة العديد من التغيرات ، سواء من حيث هيكليتها أو مدتها ، الأمر الذى يجعل من الصعب عليها وضع وتنفيذ سياسات عامة مستقرة ومتسقة . ولقد تم تصعيد أول لجنة شعبية عامة من قبل مؤتمر الشعب العام فى مارس 1977 ، وحتى 1998 تم تعديل اللجنة الشعبية العامة حوالي 15 مرة ، وتولى أمانة اللجنة الشعبية العامة خلال نفس الفترة ( 1977 - 1998 ) سبعة أمناء ، تراوحت مدة خدمتهم ما بين سنتين وست سنوات .

 

        من ناحية أخرى ، تعرضت تركيبة اللجنة الشعبية العامة ( عدد الأمانات النوعية ) إلى العديد من التغيرات ، فلقد تغير حجم اللجنة الشعبية العامة عدة مرات خلال نفس الفترة من 26 أمانة كحد أقصى إلى 11 أمانة كحد أدنى ، كما يتبين من الشكل رقم (1) . وهذا يعنى إلغاء أمانات ودمج أمانات وإضافة أمانات جديدة . وليس من الصعب إدراك مدى تأثير ذلك على تخطيط وتنفيذ السياسات العامة والقرارات المختلفة .




جـ ) تغير بنية أمانات القطاع الاقتصادي

        أدى التغير الأيديولوجي فى التوجهات الاقتصادية إلى إعادة هيكلة الأمانات التابعة للقطاع الاقتصادي ، ففي عام 1977 كان عدد الأمانات ذات الصلة المباشرة بالقطاع الاقتصادي ثلاث أمانات هى أمانة التجارة وأمانة الخزانة وأمانة التخطيط ، وذلك وفقا للقرار رقم (4) لمؤتمر الشعب العام بتشكيل اللجنة الشعبية العامة الصادر عام 1977(8).

 

        غير أنه فى عام 1979 ألغيت أمانة التجارة ، وحلت محلها أمانة الاقتصاد ، وتم الإبقاء على أمانتي ، الخزانة والتخطيط . واستمر هذا التنظيم حتى عام 1982 ، حيث تمت إضافة قطاع الصناعات الخفيفة إلي أمانة الاقتصاد ، فأصبحت أمانة واحدة تحت أسم أمانة الاقتصاد والصناعات الخفيفة ، فى حين أستمر وجود أمانتي الخزانة والتخطيط على ما هو عليه(9) .

 

        وبقى هذا التنظيم حتى عام 1985 حيث تم دمج أمانة التخطيط مع أمانة الاقتصاد وألغيت أمانة الصناعات الخفيفة وبقيت أمانة الخزانة كما هى . وفى عام 1986 أعيد تشكيل أمانات القطاع الاقتصادي لتصبح ثلاث أمانات هى أمانة الاقتصاد والتجارة ( حيث أضيفت التجارة ) وأمانة التخطيط وأمانة الخزانة(10) .

 

        ولقد أستمر هذا التقسيم حتى عام 1990 حيث حدثت تغييرات أخرى فى هذه الأمانات، فلقد تم حذف كلمة التجارة وأصبحت الأمانة تحمل اسم أمانة تخطيط الاقتصاد (أى تم دمج التخطيط والاقتصاد فى أمانة واحدة ، وألغيت بالتالي أمانة التخطيط ) ، وتم الإبقاء على أمانة الخزانة .. وبذا أصبح التنظيم الجديد يتكون من أمانتي تخطيط الاقتصاد     والخزانة(11) .

        غير أنه فى عام 1992 تمت إعادة هيكلة هذه الأمانات لتصبح أمانة واحدة هى أمانة التخطيط والتجارة والمالية ( ومن الملاحظ إعادة استعمال كلمة التجارة بدلا من الاقتصاد ، كذلك استعمال تعبير المالية بدلا من الخزانة ) . وبقى هذا التنظيم حتى عام 1994 ، حيث أعيد تشكيل هذه الأمانات مرة أخرى فأصبحت أمانتين هما أمانة التخطيط والمالية وأمانة الاقتصاد والتجارة . وفى عام 1995 تغير هذا التنظيم مرة أخرى حيث أدمج التخطيط مع أمانة الاقتصاد والتجارة لتصبح أمانة واحدة تحت اسم أمانة التخطيط والاقتصاد والتجارة وأبقى على أمانة المالية منفصلة(12).

        وأخيرا وفى عام 1998 ، تم من جديد فصل التخطيط عن الاقتصاد والتجارة وأصبحت هناك ثلاث أمانات مرة أخرى وهى أمانة التخطيط وأمانة الاقتصاد والتجارة وأمانة الخزانة(13) . ( أنظر الجدول رقم (2) ) .

 

جدول رقم (2)

التغيرات فى أمانات القطاع الاقتصادي

1977 - 1998

السنة

الأمانات

العدد

1977-1978

أمانة التجارة - أمانة الخزانة - أمانة التخطيط

3

1979 - 1981

أمانة الاقتصاد - أمانة الخزانة - أمانة التخطيط

3

1982 - 1984

أمانة الاقتصاد والصناعات الخفيفة - أمانة الخزانة - أمانة التخطيط

3

1985

أمانة التخطيط والاقتصاد - أمانة الخزانة

2

1986 - 1989

أمانة الاقتصاد والتجارة - أمانة التخطيط - أمانة الخزانة

3

1990 - 1991

أمانة تخطيط الاقتصاد - أمانة الخزانة

2

1992 - 1993

أمانة التخطيط والتجارة والمالية

1

1994

أمانة التخطيط والمالية - أمانة الاقتصاد والتجارة

2

1995

أمانة المالية - أمانة التخطيط والاقتصاد والتجارة

2

1998

أمانة المالية - أمانة التخطيط - أمانة الاقتصاد والتجارة

3

 

ملاحظة ختامية

        ويتضح من هذا ، أن الأمانات المتصلة مباشرة بالقطاع الاقتصادي قد تعرضت إلي العديد من حالات الدمج والفصل والإلغاء خلال فترة الدراسة مما يجعل من الصعب - إن لم يكن من المستحيل - إتباع سياسات وبرامج واضحة ومستقرة فى القطاع الاقتصادي ، مما يؤثر بالضرورة على كفاءة وفعالية السياسات الاقتصادية ومدى تحقيقها لأهدافها ، وعلى رأسها تحقيق استقرار الأسعار والسيطرة على التضخم .

 

        وبالنظر إلي حالات الفصل والدمج والإلغاء التى حدثت فى هذه الأمانات ، يمكن استنتاج الآثار السلبية المترتبة عليها ، فمثلا كانت أمانة التخطيط أمانة منفصلة قائمة بذاتها فى السنوات 1977 - 1989 ، باستثناء سنة 1985 ، ثم أدمجت منذ عام 1990 فى أمانة الاقتصاد ، وبعدها ألغى الاقتصاد وأدمجت فى التجارة والمالية ، فأصبحت أمانة واحدة تحمل اسم أمانة التخطيط والتجارة والمالية ( 1992 - 1993 ) . وبعد ذلك فصلت عنها التجارة لتصبح أمانة التخطيط والمالية ( 1994 ) . ثم فصلت عن المالية لتدمج مرة أخرى مع الاقتصاد والتجارة فى أمانة واحدة تحمل أسم أمانة التخطيط والاقتصاد والتجارة (1995) . وأخيرا ، وفى عام 1998 عادت أمانة التخطيط كأمانة مستقلة بالإضافة إلي أمانة الاقتصاد والتجارة وأمانة المالية ( جدول رقم 2) .

 

        إن تعدد حالات الدمج والفصل فى هذه الأمانات أدى إلي خلق خلل وقصور فى أداء المهام التى ينبغي لهذه الأمانات القيام بها ، هذا بالإضافة إلي الأثر السلبي على أداء الأمانات والمؤسسات والأجهزة الاقتصادية الأخرى هذا بالإضافة إلى ما تسببه حالات الدمج والفصل والإلغاء من عدم استقرار أدارى وتدنى الكفاءة والازدواجية والتداخل فى الاختصاصات ، والذي غالبا ما يكون له تأثير سلبي على كفاءة وفعالية أداء القطاع الاقتصادي بشكل عام .

 

        ونستخلص من ذلك كله ، ان الاختناقات الاقتصادية وتدنى الكفاءة الاقتصادية ، وارتفاع مستوى البطالة ، والتضخم الاقتصادي التى يعانى منها الاقتصاد الليبي فى الوقت الحالي هى انعكاس لعدم كفاءة وفعالية السياسات الاقتصادية وعدم قدرتها على تحقيق أهداف هذه السياسات .

 

        ويمثل عدم ثبات واستقرار البني والهياكل والمؤسسات المختصة بالقطاع الاقتصادي أحد الأسباب الرئيسية لهذه المشاكل التى تواجه الاقتصاد الليبي . وبصورة أكثر تحديدا ، فان التغيرات المختلفة فى هيكلية البلديات واللجنة الشعبية العامة واللجان الشعبية النوعية ذات الصلة المباشرة بالقطاع الاقتصادي أدت إلي مايلى(14) :-

1 )     عدم الاستقرار الإداري الذى يعد أمرا ضروريا لاستقرار السياسات الاقتصادية على المستويين التشريعي والتنفيذي ، حيث تعددت القوانين والقرارات واللوائح التى تنظم وتعيد تنظيم البلديات واللجنة الشعبية العامة واللجان الشعبية النوعية المتعلقة بالقطاع         الاقتصادي .

2 )     تعدد وتضارب اللوائح والقرارات المنظمة للتجارة الداخلية والخارجية . فمن قصر       التجارة الداخلية والخارجية على الشركات العامة التابعة للدولة إلي السماح بمزاولة  النشاطات الاقتصادية المختلفة للأفراد والجماعات بدون تنظيم وبدون وجود قواعد    وإجراءات واضحة ومستقرة ، مما أدى إلي انتشار الفوضى فى النشاط الاقتصادي       والى بروز السوق السوداء والى سيطرة النشاط الطفيلي غير المنتج وانخفاض قيمة الدينار الليبي وارتفاع المستوى العام للأسعار ، وغير ذلك .

3 )     أدى عدم الاستقرار فى الأجهزة التنفيذية للأمانات المتصلة بالقطاع الاقتصادي ، وتكرار حالات الدمج والفصل والإلغاء إلي عدم قدرة هذه الأجهزة على تنفيذ السياسات الاقتصادية المقررة بكفاءة وفعالية ، بسبب اختلاف الرؤى التنفيذية للقائمين عليها وتشتت المسؤولية وانعدام المتابعة والرقابة كما أدت هذه التغيرات إلى تدنى مستوى الكفاءة الإدارية ، وذلك بسبب تكرار حالات الدمج والفصل والإلغاء ، وانتقال الكفاءات الإدارية بين المواقع المختلفة .

4 )     لم يعد بإمكان أمانات القطاع الاقتصادي متابعة قراراتها وسياساتها العامة المختلفة ، سواء المتعلقة منها بتحديد أوجه الإنفاق أو السيطرة على الأسعار أو توزيع السلع        والخدمات ، وغير ذلك .

5 )     أثرت هذه التغيرات بصورة مباشرة على قدرة هذه الأمانات على جمع وتوفير البيانات والمؤشرات الاقتصادية الأساسية اللازمة لاتخاذ سياسات اقتصادية واضحة وسليمة . فمن الملاحظ عدم توفر بيانات حول مستوى التضخم ومؤشرات التجارة الداخلية والخارجية وأنماط الاستهلاك ومستويات الدخل وغيرها من المؤشرات ، مما أدى إلي تخبط وتضارب السياسات الاقتصادية المختلفة .


الهوامش

 

1 )     نعيمة خليفة الجهانى ، أثر التوجهات الايديولوجية على السياسات الاقتصادية فى ليبيا 1978 - 1995 . رسالة ماجستير غير منشورة . بنغازى ، جامعة قاريونس ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 1996 ، ص 57 .

2 )     أحمد منيسى عبدالحميد وعدنان عباس على . السياسة الاقتصادية بين النظرية والتطبيق . بنغازى ، منشورات جامعة قاريونس ، 1992 . ص 21 .

3 )     نفس المرجع السابق ، ص 40 .

4 )     محمد زاهى بشير المغيربى ، " التغيرات الهيكلية وأثرها على وضع وتنفيذ السياسات العامة فى ليبيا " مجلة قاريونس العلمية ، السنة السادسة ، العدد الاول والثانى ، 1993 ، ص.ص 215 - 216 .

5 )     نفس المرجع السابق ، ص 216.

6 )     نفس المرجع السابق .

7 )     نعيمة خليفة الجهانى ، مرجع سبق ذكره ، ص 166 .

8 )     نفس المرجع السابق ، ص117 .

9 )     نفس المرجع السابق .

10)    نفس المرجع السابق ، ص 118 .

11)    نفس المرجع السابق ، 168 .

12)    نفس المرجع السابق .

13)    راجع قرارات مؤتمر الشعب العام بشأن إعادة تنظيم أمانة اللجنة الشعبية العامة للأعوام 96 ، 97 ، 98 .

14)    نعيمة خليفة الجهانى ، مرجع سبق ذكره ، ص 121 ، ومحمد زاهى بشير المغيربى، مرجع سبق ذكره ، ص 222 .

 

 

 

 



**  نسخة منقحة من البحث الذي قدم إلي ندوة "ظاهرة التضخم فى الاقتصاد الليبي " التي نظمتها جمعية الاقتصاديين الليبيين بمدينة طرابلس خلال شهر نوفمبر 1998

*   أستاذ العلوم السياسية ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة قاريونس ، بنغازي .